جريدة عكاظالترشيد يبدأ بالمياه ولا ينتهي بالبنزين
هـل نـحـن مـجـتـمع اسـتـهلاكي
عائشة الفيفي (الرياض)
لا مندوحة من الاعتراف في مستهل هذه القضية عن ترشيد الاستهلاك بأننا مجتمع استهلاكي بدرجة الاسراف ولعل من ابرز تجليات هذا النهم الاستهلاكي، المياه والكهرباء والغذاء والبنزين والقروض الاستهلاكية وهجمتنا الشرسة على الاسواق خصوصا في شهر رمضان كأنما هناك مجاعة حقيقية ومغالاتنا في الانفاق على المسكن والجوال وغيرها من خدمات الترفيه الاخرى.. بل قد يطول هذا الاسراف اعداد الخدم والسائقين فكيف تفشى بيننا هذا النمط الاستهلاكي وماهو السبيل لترشيده. تحاول هذه القضية بمشاركة نخبة من المختصين في الاقتصاد المنزلي تحديد المشكلة أولا ثم الانطلاق الى احتوائها ومعالجتها. في مجال المياه أشار المهندس عبدالله الحصين وزير المياه والكهرباء الى ان معدل استهلاك الفرد في المملكة يتجاوز 286 لترا في اليوم وقد يتجاوز 300 لتر في اليوم لتحتل المملكة المرتبة الرابعة عالميا في استهلاك المياه بعد الولايات المتحدة وكندا والامارات وحسب الدراسات المبدئية هناك عجز مائي يقدر بنحو 1.5 مليون متر مكعب من المياه يوميا.
استهلاك البنزين
وفي مجال الطاقة أوضح رئيس شركة ارامكو السعودية وكبير ادارييها التنفيذيين عبدالله بن صالح بن جمعة ان المملكة تعتبر من أعلى الدول استهلاكا للبنزين حيث يبلغ معدل استهلاك الفرد من البنزين في السنة 600 لتر وهذا المعدل أعلى من معدل استهلاك كثير من الدول ويبلغ اضعاف معدلات الاستهلاك للفرد في الدول النامية وبعض الدول الصناعية.
ترشيد الكهرباء
ومن أوجه الانفاق في المجتمع الصرف على الكهرباء حيث أوضح الدكتور صالح بن حسين العواجي وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون الكهرباء ان الوزارة تعمل حاليا على إعداد خطة شاملة لخفض تكاليف استهلاك الجهات الحكومية من الطاقة الكهربائية والتي تقدر بحوالى 5 مليارات ريال سنويا.
المواد الغذائية
وفي مجال المواد الغذائية قدر متعاملون في بيعها دخل محلات البيع بمختلف اشكالها واصنافها خلال الثلث الأخير من شعبان والاسبوع الاول من رمضان بأكثر من 4 مليارات ريال وذلك في ظل الإقبال الكبير الذي تشهده الاسواق لشراء احتياجات الشهر الكريم.
القروض الاستهلاكية
وفي مجال القروض الاستهلاكية تشير احدث الاحصائيات الرسمية التي تصدرها مؤسسة النقد العربي السعودي حول القروض الاستهلاكية الممنوحة والبنوك التجارية لمختلف الافراد الى ارتفاع نصيب القروض الاستهلاكية من اجمالي القروض الممنوحة خلال الفترة من 1998 - 2005م من نحو 5% الى نحو 35.3% وهو نسبة حسب الخبراء المصرفيين تدق جرس الانذار بضرورة تدخل السلطات النقدية لوقف هذا النزيف في منح القروض الاستهلاكية.
وتعرّف الدكتورة منال عبدالرحمن عضو هيئة التدريس بقسم التغذية وعلوم الاطعمة في كلية الاقتصاد المنزلي مفهوم ترشيد الاستهلاك بأنه استغلال موارد الاسرة المتاحة وذلك بعدم الإسراف في استخدامها وتقليل الفاقد منها بقدر الامكان: أي رفع مستوى الكفاية الانتاجية للأسرة من خلال تطبيق السلوك الاداري عند استعمالها لجميع مواردها المتاحة لتحقيق اهدافها وإشباع حاجاتها المختلفة بصورة متوازنة، موضحة في سياق ذلك ان الترشيد الاستهلاكي ليس معناه تقليل الاستهلاك أو الاستغناء عن الضروريات او تقليلها عن اللازم وانما هو عدم الاسراف في أي شيء يتصل بالمأكل والمسكن ومحتوياته والعمل على بذل كل الجهود لتقليل الفاقد بقدر المستطاع وعدم الاستهانة به مهما كان ضئيلا، مؤكدة ان ترشيد الاستهلاك يخص كل فرد في الاسرة لأن كل فرد عبارة عن مستهلك الا ان للمرأة الدور الاكبر في هذا المجال لأنها تتحمل مسؤولية كبيرة في عمليات الشراء والاعداد والانتفاع والصيانة لكل ما يختص بالاستهلاك العائلي من غذاء وأجهزة وأدوات ومفروشات وملابس وعلى قدر معلوماتها ووعيها يتوقف نمط الاستهلاك العائلي كما يتوقف تكوين العادات والاتجاهات الاستهلاكية بين افراد الاسرة، فيما يهدف ترشيد الاستهلاك على الصعيد العام الى تحسين نمط حياة القطاعات وبالأخص التطبيق المنظم والشامل لسياسات الغذاء والزراعة والمناطق الريفية والتي تشارك فيه الحكومة والاجهزة المحلية بتوفير الكمية المناسبة من الاغذية ذات النوعية الجيدة والمأمونة صحيا وذات الاسعار المناسبة.
وخلصت نتائج دراسة عن النمط الغذائي والعادات الغذائية لكل من الدكتورة هدى العامر استاذ مساعد بقسم التغذية بكلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية ووكيلة قسم التغذية والدكتورة لطيفة عضو هيئة التدريس بقسم التغذية وعلوم الاطعمة بنفس الكلية، الى ان ربة الاسرة هي المسؤولة الاولى عن اختيار وإعداد الطعام لأفراد الاسرة لدى معظم الاسر بينما يشترك الاب والام لدى بعض الاسر الاخرى في اختيار الطعام.
التخلص من فائض الطعام
ومن حيث تصرف ربة الاسرة بالمتبقي من الطعام كان اقل من نصف الأسر تعيد استخدامه مرة أخرى بينما الثلث تقريبا يتخلصون من باقي الطعام برميه مع النفايات، ولذلك اوصت الباحثتان بضرورة توعية المجتمع بأهمية تنويع الغذاء والاقلال من استهلاك القهوة والمشروبات الغازية وزيادة استهلاك زيت الزيتون والتنويع في مصادر البقول وترشيد استهلاك الطعام التزاما بقوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
مصروف الابناء
وفي نمط آخر للاستهلاك يتمثل في مصروف الابناء في مرحلة المراهقة المبكرة، اشارت الدكتورة سلوى سعيد استاذة السكن وادارة المنزل المشارك بكلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية بالرياض، الى ان نمط الاستهلاك للفرد يتوقف على نوعية المعلومات والعادات والاتجاهات التي تكونت وتأصلت لديه منذ الصغر بالممارسة اليومية مما يظهر اهمية التنشئة الاستهلاكية للطفل من حيث منحه حرية اتخاذ القرارات الاقتصادية المرتبطة بشؤون الحياة اليومية، ومن الطرق المناسبة لتعليم الابناء الشؤون الاقتصادية اعطاؤهم بعضا من المال كمصروف يومي أو اسبوعي أو شهري حسب سنهم وتشجيعهم على ان يقتصدوا فيه ذلك ان الاقران في مرحلة المراهقة يلعبون دورا مميزا من التقليد وتقمص السلوك الاستهلاكي حيث يمثل اطفال مرحلة المراهقة المبكرة مرحلة دقيقة وفاصلة من الناحية الاجتماعية للانتقال من الطفولة الى الرشد.
وتحدد الأميرة هيلة بنت عبدالرحمن آل سعود مديرة القسم النسائي بالغرفة التجارية والصناعية بالرياض أوجه الاستهلاك لدى الاسرة السعودية في العديد من جوانب الانفاق الاستهلاكي ابرزها الانفاق على المسكن والانفاق على الجوال والهاتف وخدمات الترفيه والسعي لتقليد المجتمعات الغربية في نمط الحياة والمعيشة حيث يسعى كل فرد داخل الاسرة لخلق بيئة معيشية مستقلة تماما عن باقي افراد الاسرة فعلى سبيل المثال تعيش كثير من الأسر السعودية الآن في شكل تنقسم فيه الاسرة الواحدة الى مجموعات من الاسر الصغيرة يعيش فيه كل فرد بمستلزماته المعيشية من اجهزة (على سبيل المثال التلفزيون) بشكل منفصل وهو الامر الذي قاد الى وجود حالة من الاسراف الكبير في عدد الاجهزة المنزلية داخل الاسرة الواحدة.
انفاق يفوق الدخل
وتشير الاميرة هيلة في هذا السياق الى ان هناك نسبة كبيرة من الاسر السعودية تنفق شهريا مقادير تفوق مستوى دخلها الشهري الامر الذي يجعلها تتعامل بالعجز بشكل يكاد يكون شهريا ومن الواضح ان حالة الاسراف الاستهلاكي تزداد كلما انخفض مستوى الدخل الشهري للاسرة، حيث ان الاسرة ذات الدخل المنخفض لوحظ ان معاناتها من عجز مالي يفوق تلك الأسر ذات الدخول المرتفعة ويفسر ذلك بالمحاكاة أو التقليد الذي ينتاب كثيرا من الاسر ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة.